ارشيف المدونة

حكمة اليـوم

احصائيات المدونة


بحث هذه المدونة الإلكترونية

" تفاعل مع موقعك

Recent Comments



رغم قدرته على إنجاز العمليات الحسابية, التي فاقت قدرة الآلة الحاسبة، وتحدثه عدة لغات أجنبية بطلاقة تضاهي من درسوها بالجامعات، فرزقه قليل يدفعه إلى بيع حافظات النقود والمفاتيح وبعض الأدوات البسيطة. إنه الشاب المغربي حميد بوقرقيبة (25 سنة) من مدينة فاس.



تختزن ذاكرة هذا الشاب المئات من أرقام الهواتف ولوحات السيارات وجوازات السفر وبطائق التعريف, ويمتلك مؤهلات كبيرة للعب الشطرنج وتعلم استخدام الحاسوب والاهتداء إلى المبلغ المالي الموجود في الجيب، حتى أنه استطاع خلق نظريات رياضية جديدة لم توجد من قبل, يبرهن بها كل العمليات الحسابية, التي يقوم بها.


اعتاد بوقريقبة ارتياد المقاهي كل يوم, حتى بات أربابها يعرفونه, خاصة المقاهي الموجودة على طول شارع الحسن الثاني بفاس، يعرض بضاعته أو "مشروعه" على حد تعبير هذا الشاب, الذي يدرس – بجانب عمله- الفيزياء بكلية العلوم في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، يحاول جهد الإمكان كسب تعاطف الناس معه, بما يستعرضه من مهارات أمام زبائنه.


دخل بوقريقبة اليومي لا يتجاوز 30 درهما, يحاول, من خلاله تدبير الأمور المالية لدراسته وأدوية مرضه النفسي, التي تتجاوز مائة درهم، وكذلك مساعدة أسرته الفقيرة التي تتكون من أربعة أفراد هم: الأم: فاطمة المسعودي 55 سنة، وشقيقان: علال 32 سنة، خياط، ورشيد 22 سنة، صانع أحذية.


ظروف حميد بوقريقبة القاسية وإتقانه اللغات الفرنسية والإسبانية والإنجليزية دفعاه للعمل مرشدا سياحيا غير مرخص له, ما أسقطه في أيدي الشرطة بمكناس وهو برفقة فوج سياحي، دخل على إثرها السجن لمدة أسبوعين، لتبقى رغبة حميد الملحة والتي يعبر عنها بحرقة قائلا "أريد الحصول على عمل قار يضمن لي دخلا كافيا لسد حاجياتي الضرورية ".


عمل حميد بوقريقبة مع جاك مامان, صاحب محل "العجائب المغربية" في فاس, والذي يبيع منتجات الصناعة التقليدية. حيث كان يتقاضى راتبا بلغ 1200 درهم شهريًّا، ودام عمله في المحل, سبع سنوات ابتداءً من سنة 1999، بعد أن أقلقت وسائل الإعلام صاحب المحل من خلال اللقاءات التي كانت تجريها مع بوقريقبة, لما يتميز به هذا الشاب من قدرات أبهرت كل من رافقوه.


موهبة بوقريقبة الخارقة تفتقت في أكتوبر 1993، حينما اكتشف أستاذه في القسم الثالث ابتدائي ميوله الفطري لإنجاز العمليات الحسابية الصعبة بسهولة كبيرة. وساعده أحد الأساتذة في الظهور على شاشة القناة الثانية المغربية, وشارك في عدة مباريات للرياضيات بفاس وخارجها, وحاز على عدة جوائز تشجيعية.


بالإضافة لما سبق، يملك هذا الشاب قدرة خارقة على معرفة السن الحقيقي لشخص ما، ورقم حذائه وعمر منزله وقياسه، وتختزن ذاكرته المئات من أرقام الهواتف ولوحات السيارات، كما يمتلك مؤهلات للعب الشطرنج وتعلم استخدام الحاسوب.


مرت 14 سنة و10 أشهر على اكتشاف موهبة حميد في أكتوبر 1995. 5410 يوما وهو يبرع في إنجاز العمليات الحسابية المعقدة واختراع نظريات رياضية خاصة, دون أن ينمحي تفاؤله أو يقبر آماله في آفاق مشرقة. وكما حسبها بنفسه وفي زمن قياسي، فمدة الإبداع والانتظار، توازي 129840 ساعة أو 7 ملايين و790400 دقيقة أو 46 مليار و742 مليون و4 آلاف ثانية، والبقية تأتي .

يبدو هذا العبقري الذي ينتظر فرصة تنتشله من واقع الضياع والتيه، غير مرتاح للطريقة التي يجري بها التعامل مع موهبته وعدم إتاحة الفرصة له للمشاركة في مباريات أولمبياد الرياضيات وإيجاد شغل له. يقول "أعتبر نفسي من العباقرة الكبار في مجال الرياضيات، لكن المسؤولين والمهتمين يتجاهلون قدراتي". ويبقى طموحي الوصول إلى المكانة التي تبوأها الشهيد المغربي المهدي بن بركة, الذي أبهر العالم بمؤهلاته العظيمة في مجال الرياضيات.

رغم واقع إهمال وتجاهل قدراته وما يعيشه وأسرته من وضع اجتماعي مزري بحي سيدي بوجيدة بفاس، يتشبث حميد بالأمل, ولولاه لضاقت الدنيا بما وسعت في وجهه. لذلك لا يتقاعس في انتهاج كل طرق البحث عن "الدرهم الأبيض, الذي قد ينفع في اليوم الأسود". وحتى لا يفوت على نفسه فرصة متابعة دراسته، جرب بيع السجائر والأكياس البلاستيكية وحاملات النقود والمفاتيح و"البورت كليات" و"ولاعات السجائر" و"مقص الأظافر".


يقول "مرة دعتني شخصية بارزة للتكفل بمساعدة ابنها في إنجاز تمارينه الرياضيات، فلم أرفض, لكن بعد نهاية الحصة الأولى فوجئت بأب التلميذ يناولني 20 درهما, المبلغ الذي اعتقدت أنه سيتضاعف مع مرور الأيام, لكنه بقي على حاله, قبل أن أتخلى عن هذه المهمة", ويضيف حميد بوقريقيبة الذي لم ينس بعد وأبدا الكثير من الوقائع مع شركات ينجز حساباتها المعقدة ويكتشف أخطاءها مقابل "صدقة" لا تغني ولا تسمن من جوع.

يواصل حميد بوقريقبة سير الحياة بما جادت عليه قلوب من تعاطفوا معه من الناس، وتبقى بضاعته تلك التي يسميها "المشروع" مصدر عيشه والخيط الذي يربطه بالزبناء، وتبقى الأرقام والعمليات الحسابية هاجسه, إذ تشعر وأنت تحدثه كأنما تحدث آلة حاسبة أو ربما أكثر شيء لم تصل


إليه التكنولوجيا بعد، هذا يترجم كل شيء للأرقام وحتى العمليات المعقدة يجيب عنها بسلاسة تبهر، هذا هو بوقريقبة وهذه هي الأرقام.


فاطمة شكيب
المغربية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الساعة الآن بتوقيت بغداد

translate blog

ابحث في المدونة